نشرت صحيفة هآرتس مقابلة مع عامي أيالون أحد الرؤساء السابقين لجهاز (الشاباك) قدم فيها قراءة لافتة لنتائج العدوان على قطاع غزة، واستعرض سيناريوهات الخروج من الحرب من وجهة نظره.
وأكد أيالون -في المقابلة التي أجراها معه الصحفي الإسرائيلي المتخصص بشؤون الأمن والاستخبارات يوسي ميلمان- أن إسرائيل لن تخرج “بصورة للنصر” من هذه الحرب، حتى لو تمكنت من اغتيال يحيى السنوار.
وقال رئيس الشاباك السابق في أول مقابلة تجرى معه منذ بداية الحرب “إن من يعتقد أن الفلسطينيين سوف يستسلمون، لا يعرف الفلسطينيين ولا حماس والحركات الإسلامية في هذا القرن”.
ودعا أيالون إلى إطلاق سراح جميع المحتجزين الإسرائيليين مقابل إطلاق سراح أسرى فلسطينيين، بمن فيهم مروان البرغوثي الذي يرى أنه الشخص الوحيد الذي يمكنه قيادة الفلسطينيين في مرحلة ما بعد الحرب.
وهذه ترجمة لنص المقابلة:
إسرائيل لن تخرج منتصرة
قال رئيس الشاباك السابق ردا على سؤال ميلمان: كجزء من صفقة تتضمن عودة جميع الرهائن، يجب علينا إطلاق مروان البرغوثي. وهذه خطوة صحيحة من جانبين، أولا لأن عودة الرهائن الإسرائيليين هي الأقرب إلى “صورة النصر” بالحملة (العسكرية) الحالية في غزة، وثانيا لأن البرغوثي هو الزعيم الفلسطيني الوحيد الذي يمكن انتخابه ضمن قيادة فلسطينية موحدة وشرعية في الطريق إلى حل سلمي. (مما يمهد) لعملية الانفصال بالاتفاق مع الفلسطينيين.
ورفض أيالون التعليق على سير المعارك في غزة وعلى الحدود الشمالية. كما امتنع عن الحديث عن هجمات الحوثيين من اليمن والبحر الأحمر، وهي مناطق يعرفها جيدًا منذ أن كان قائدًا للأسطول الـ13، ثم قائدًا للبحرية لاحقًا. وقال إن ما يهمه هو الحديث عن “إستراتيجية الخروج” من الحرب، أو ما بات يطلق عليه “اليوم التالي” للحرب، وقد اشترط التركيز على ذلك لإجراء المقابلة.
وقال أيضا: في هذه الحملة لن تكون هناك صورة للنصر، على غرار التلويح بالعلم الأميركي في هيروشيما في الحرب العالمية الثانية، ولا مشاهد مثل تلويح يوسي بن حنان (الجندي الإسرائيلي) ببندقية كلاشينكوف في قناة السويس نهاية حرب الأيام الستة، ولا حتى مثل صورة ياسر عرفات الذي اضطر للإبحار من مرفأ بيروت إلى تونس بعد حرب لبنان الأولى.
ووفق أيالون فإنه “في الحروب الماضية التي وصفها فون كلاوزفيتز في القرن الـ19، والتي كان النصر فيها يتم تحديده من خلال قرار عسكري في ساحة المعركة، كانت هناك بالفعل صور للنصر ميزت بوضوح (اليوم التالي للحرب) والانتقال للمفاوضات. ولكن في الحرب على الإرهاب لا ترفع أي راية بيضاء”.
وماذا لو قضينا على يحيى السنوار ألن يكون ذلك انتصارا؟
لا. حتى لو صعدت روح السنوار إلى بارئها. إذا كان هناك من يعتقد أن الفلسطينيين سوف يستسلمون، فهو لا يعرف الفلسطينيين ولا يعرف حماس والحركات الإسلامية المتطرفة في هذا القرن.
ويعزز أيالون رأيه هذا بالعودة لاعتقال مؤسس حماس الشيخ أحمد ياسين، الذي كان مشلولا ويجلس على كرسي متحرك. ويقول: عندما كان في السجن، كنا قلقين على صحته. وحرصنا على ألا يموت في السجن حتى لا يصبح شهيدا. ونحن في الشاباك عارضنا إطلاق سراحه من السجن. ومن بين جنرالات هيئة الأركان العامة من ضحك قائلاً: ما الذي تخاف منه؟ إنه ليس قائداً، إنه رجل فقير على كرسي متحرك.
ويضيف: علينا أن نفهم أن الشيخ ياسين -الذي قام بصفته زعيما للحركة- بصياغة ميثاق حماس، كان في نظر الفلسطينيين، إلى حد كبير بسبب إعاقته ومظهره الهش، رمزا لبؤسهم. وكان الوحيد الذي نجح في توحيد القيادة الدينية والاجتماعية والسياسية والعسكرية التي تجسدت في نفسه.
حلقة في حرب مستمرة
ينظر أيالون إلى حروب إسرائيل في القرن الحالي بشكل مختلف، ويرى أن “الحرب من أجل إقامة إسرائيل والدفاع عنها مستمرة منذ نحو 140 عاما، منذ ظهور الصهاينة الأوائل في نهاية الـ19” والحرب مستمرة بكثافة متفاوتة، ولها عمليات ومعارك وأنظمة، لذلك، حسب قوله، فإن ما يحدث في الأشهر الثلاثة الأخيرة “ليس حرباً، بل حملة أخرى في الحرب المستمرة من أجل استقلالنا”.
هل سننتصر في هذه الحرب؟
لقد انتصرنا في مارس/آذار 2002: في مؤتمر الجامعة العربية في بيروت، عندما استسلمت الدول العربية ولوحت بالعلم الأبيض. وتراجعت عن قرار الجامعة الصادر في أغسطس/آب 1967 في الخرطوم، والمعروف بإعلان اللاءات الثلاث “لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف بإسرائيل”. وفي مارس/آذار 2002، وبعد 35 عاماً من النضال، اتفقوا في القمة نفسها على الاعتراف بإسرائيل وإقامة علاقات كاملة معها على أساس قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، التي وقعتها أيضاً حكومات إسرائيل. وهكذا.. كانت هناك سياسة مفادها: نعم للاعتراف، ونعم للمفاوضات، ونعم للسلام مع شعب إسرائيل. والمأساة هي أننا نرفض الاعتراف بانتصارنا ونواصل القتال. لقد حولنا الحرب إلى غاية في حد ذاتها.
هل الهدف هو تجنب اتخاذ القرارات؟
نعم. لتجنب الجدل الذي يمزق المجتمع الإسرائيلي، وفي قلبه مسألة ما وصلنا إليه هنا كشعب في هذا البلد. إن قرار مجلس الوزراء بعدم مناقشة (اليوم التالي) (مرحلة ما بعد الحرب) يقلب الحرب إلى صراع عسكري بلا هدف سياسي، وهذا وضع لا يمكن فيه تعريف النصر الذي يصاغ دائماً بمصطلحات سياسية، والخطر الكبير هو أن هذا هو الوضع الذي تصبح فيه الحرب هي الهدف.
وبمجرد دخول بيني غانتس وغادي آيزنكوت إلى الحكومة اللذين بات من الواضح أن رحيلهما سيؤدي إلى انهيار الائتلاف، أصبحت الاعتبارات سياسية بالضرورة أيضا. ومن دون اتخاذ قرار بشأن الهدف السياسي، لا يمكن للحكومة وضع إستراتيجية للخروج من الحرب ونحن نسير بأعين مفتوحة نحو غروب مستقبلي في رمال غزة.
هل هذه مشكلة إسرائيل الكبرى؟
نعم. في المجمل، هذه هي المشكلة الرئيسية. إذا لم نقرر الوجهة التي نسير نحوها معًا والقيم التي تربطنا، فإن خطر الاستمرار في القتال إلى الأبد وارد، لأن هذه هي المعركة الوحيدة التي لا نقاتل فيها بعضنا بعضا. إن مقولة (معاً ننتصر) صحيحة، ولكنها توجد فقط أثناء الحرب، عندما يفرض علينا الأعداء من الخارج وحدة لم نخترها، وهي الوحدة، وهو طريق أجوف إذا كان طريقا للهروب من النقاشات الحقيقية التي نرفضها أو لا نستطيع إجراءها، ربما لأن الخلافات القوية قد تقودنا إلى حرب بين الأشقاء.
هل كنا قريبين من ذلك بعد مقتل رابين؟
لقد قُتل إسحاق رابين لهذا السبب على وجه التحديد. بسبب السؤال الكبير حول من نحن ولماذا نحن هنا. قُتل رابين لأن الحاخامات أصدروا حكماً اضطهادياً ضده. عندما دخلت الخدمة (تم تعيين أيالون رئيسًا للشاباك بعد مقتل رابين) أدركت مدى عمق الصدع الموجود بدرجات متفاوتة منذ ذلك الحين.
وهل بلغ هذا الصدع ذروته العام الماضي مع الانقلاب؟
بدافع الغطرسة، قررت حكومة اليمين قبل عام أن طبيعة النظام بحاجة إلى التغيير. بالإضافة إلى مئات الآلاف الذين خرجوا للاحتجاج في الشوارع، وهيئة الأركان العامة ورؤساء الأجهزة الأمنية، أبلغت المؤسسة رئيس الوزراء وأعضاء الحكومة أن هناك تهديدًا متعدد الأوجه وأن خطوة الحكومة تعرض أمن إسرائيل للخطر. وفي خطاب ألقاه للأمة، حدد وزير الدفاع خطر الحرب بأنه “واضح وفوري”. لكن رئيس الوزراء والوزراء في حكومته رفضوا الاستماع، وأوضحوا أن تحذيرات الجيش كان لها دافع سياسي، وهكذا دخلنا في الحملة (العسكرية) الحالية.
هل كانت حرب السابع من أكتوبر نتيجة لذلك؟
نعم. الانهيار يكمن في عدة طبقات من المفاهيم الخاطئة. أولا وقبل كل شيء، مفهوم سياسي بدأ بانهيار مفاوضات كامب ديفيد، والذي بموجبه لا يوجد من يمكن التفاوض معه على الجانب الآخر (الفلسطيني).
هل هناك طرف فلسطيني يمكن التفاوض معه؟
اعترفت السلطة الفلسطينية بدولة إسرائيل على حدود 1967. ووافقت على مناقشة حق العودة مع إسرائيل في إطار المفاوضات. نحن بحاجة إلى التحدث إلى طرف يرغب في التفاوض معنا بناءً على هذه المبادئ. وآخر من حاول قيادة التحرك لتسوية الصراع كان أرييل شارون، الذي قرر مغادرة غزة وشمال الضفة الغربية، لأنه أدرك أنه يخسر المجتمع الإسرائيلي، وهو ما سار عليه إيهود أولمرت. لكن منذ عودة نتنياهو إلى رئاسة الوزراء، وضع سياسة لإدارة الصراع تقضي بإضعاف السلطة الفلسطينية وتقوية حماس بشكل متعمد، وذلك لتجنب الدخول في مفاوضات من أجل تسوية سياسية.
هل ينتهج نتنياهو أيضاً سياسة فرق تسد؟
في الواقع نعم. لقد ارتكب نتنياهو خطأ عندما اعتقد أن هذه السياسة ستمنحه الوقت سياسيا، ورفض إدراك التهديد الذي تمثله حماس. رغم تحذيرات رؤساء الشاباك له بهذا الشأن.
إن غياب تحرك سياسي (لحل الصراع) يجعل من حماس الجهة الوحيدة التي تناضل من أجل التحرر الوطني في نظر الفلسطينيين. وهناك اعتقاد (إسرائيلي) خاطئ يفترض أن الفلسطينيين ليسوا شعباً، وإذا سمحنا لهم بالرفاهية الاقتصادية فإنهم سيتخلون عن حلم الاستقلال. وفي نهاية المطاف، فإن الفلسطينيين شعب. وهم مستعدون للقتال والموت من أجل استقلالهم.
ما المعتقدات الخاطئة الأخرى؟
الاعتقاد الاستخباراتي، الذي قدر أنه بعد عملية “حارس الجدران” في مايو/أيار 2021، تم ردع حماس. نحن نقيس الخطورة: كم عدد نشطاء حماس “الإرهابيين” الذين قتلناهم، وكم عدد البنى التحتية أو الأنفاق التي دمرها الجيش الإسرائيلي، بينما يعتبر الفلسطينيون دعم الرأي العام لهم هو المقياس. وبعد كل جولة عنف، يزداد الدعم لحماس باعتبارها تحارب الاحتلال، ويُنظر إلى السلطة الفلسطينية، التي لا تنضم إلى العنف، على أنها شريكة لإسرائيل.
ما سيناريوهات الخروج من الحرب؟
في الطريق إلى “اليوم التالي” (ما بعد الحرب) هناك مخرجان، وفي الوقت الحالي نرفض (حكومة إسرائيل) اتخاذ قرار، وبسبب الخلافات التي تمزق المجتمع الإسرائيلي، لا يفهمون أن عدم اتخاذ قرار هو أيضًا قرار بحد ذاته.
أحد طرق الخروج من الحرب، الذي أعتقد أنه محصلته هي إسرائيل يهودية ديمقراطية، ذات أغلبية يهودية. وهذا الطريق طويل، وقد يستمر 40 عاماً، وسيتطلب منا تقديم تنازلات واتفاقات فيما بيننا. وإذا مضينا على هذا النحو، فإن الدول العربية الموقعة على “مبادرة السلام العربية” وكذلك الديمقراطيات الغربية، ستكون إلى جانبنا. أعتقد أن هذا الطريق يقودنا إلى إسرائيل آمنة ويهودية وديمقراطية.
ماذا عن السيناريو الثاني؟
الطريق الثاني هو الذي يتبعه من يعتقدون خطأً أن الاحتلال يقود للأمن، وغيرهم ممن يعتقدون أنه لا يحق لنا التنازل عن أي من أرض إسرائيل، حتى لو اقتضى ذلك خوض حرب لا نهاية لها. ومن وجهة نظري، فإن هذا التصور لا يعترف بالواقع. وهو مسار يقود إلى دولة واحدة، في منطقة يعيش فيها حاليا 7 ملايين يهودي و7 ملايين عربي. وهذا واقع سيفقد إسرائيل هويتها اليهودية الديمقراطية. هذا الواقع يعيدنا إلى الثورة العربية الكبرى في الثلاثينيات، وإلى صراع ديني يجذب الجماعات الأكثر تطرفا وعنفا من الجانبين.