الخبر الرئيسيفي المواجهة

ملخص ميدان المعركة البرية في غزة.. نيران “الياسين” تتصدى لتوغل الاحتلال

بعد أكثر من 3 أيام على إعلانها من قبل نتنياهو، بدأت المفاعيل الأولى “للعمليات البرية الموسعة” لجيش الاحتلال الإسرائيلي بالظهور. ويمكن تلخيص المشهد المتغير بين اللحظة والأخرى بأنّ قوات الاحتلال تحاول التقدم ميدانياً بشكل متفاوت، في مناطق مفتوحة، على عدة محاور في قطاع غزة، بينما تتكبد قواتها خسائر كبيرة يجري التكتم عليها بشكل واضح من قبل الاحتلال، لا سيما مع توثيق المقاومة لعمليات عدة ضد القوات المهاجمة.

فقد بدأ الاحتلال بالتحرك بشكل أكبر في ثغرات حاول فتحها في اليوم السابق في مناطق شمالية في قطاع غزة، متقدماً عبر 3 محاور على الأقل؛ شمالي غربي على الخط الساحلي حول بيت لاهيا باتجاه مخيم الشاطئ، وشمالي شرقي في محيط بيت حانون من الجهتين الشرقية والغربية، بالإضافة إلى تقدم أساسي في جنوبي مدينة غزة، باتجاه شارع صلاح الدين ومنه باتجاه الخط الساحلي.

ويقوم الهجوم، الذي يسعى عبره الاحتلال لردّ الاعتبار لقدرات جيشه المهزوم في معركة 7 أكتوبر، على الاستفادة من القصف العنيف الذي نفذه طيلة أكثر من 20 يوماً على مناطق القطاع المختلفة، والذي تركز على منطقة الشمال وحاول تدمير البنية التحتية للمقاومة بشكل عشوائي ومن غير وجود خرائط عن الأنفاق الموجودة في غزة، بحسب تصريحات المتحدث باسم جيش الاحتلال نفسه.

وقد اعترف “الجيش” الإسرائيلي الثلاثاء، بضراوة المقاومة التي يبديها الفلسطينيون في قطاع غزة، ووصف المعارك بـ “الشرسة والمعقدة والمكلفة”.

تطورات يوم الثلاثاء وليلة الأربعاء

بدأ جيش الاحتلال محاولة للتوغل بشكل واسع في ما يسمى “القاطع الشمالي” من قطاع غزة، والمتمثّل بشكل أساس بمدينة غزة نفسها ومحيطها الشمالي أي مدينة جباليا ومنطقتي بيت لاهيا وبيت حانون العمرانيتين، ومخيم الشاطئ غرباً.

وأطلق الاحتلال هجومه الأساسي من محور بيت حانون، على اتجاهين غربي بيت حانون وشرقيها، في محاولة واضحة لتطويق البلدة الصغيرة التي لا يزيد عرض كتلتها العمرانية عن كيلومتر ونصف، وتقع في الطرف الشمالي الغربي الأقصى من القطاع.

وقد تصدت المقاومة بشكل كثيف لمحاولات التوغل من المنطقة المفتوحة بين بيت حانون وبيت لاهيا، والمدعومة باتجاه تقدم شرقي بيت حانون باتجاه جباليا، حيث كبدت الاحتلال خسائر في الدبابات والآليات، وتصدت قوة من المقاومة لتوغل في منطقة العطاطرة إلى الغرب من بيت لاهيا، وكبّدت الاحتلال خسائر بواسطة الأسلحة المضادة لدروع.

وتقدّم جيش الاحتلال الإسرائيلي بواسطة قوة من الدبابات والمدرعات على طول الشاطئ الرملي شمالي الخط الساحلي للقطاع، متجاوزاً منطقة الشاليهات والاوتيلات تحت وابل من القذائف التي أطلقها المقاومون من مناطق تحصنهم، وصولاً إلى دوار السلاطين، حيث حاولت التوغل نحو شارع التوام ومن دوار البحر باتجاه حي الشيخ رضوان وشارع النصر، داخل ضواحي جباليا الغربية.

وبلغ حجم التقدم حتى الآن في هذا المحور نحو 5 كيلومترات مربعة من الشمال إلى الجنوب، كما بلغ عرض المنطقة التي يتوغل فيها الاحتلال نحو كيلومتر، ووقعت عليه اشتباكات رئيسية.

 

وقد أكّدت المقاومة مساء الثلاثاء وقوع قوة مدرعة من الاحتلال في كمين محكم في منطقة التوام، حيث استهدفت الآليات الإسرائيلية بصواريخ الياسين 105 المضادة للدروع وبالعبوات الجوفاء اللاصقة، عبر التحامات مباشرة من المقاومين من خلال التسلل والمواجهة، ما أدى إلى وقوع خسائر كبيرة في صفوف الاحتلال.

كما استفاد الإسرائيلي من الفجوة العمرانية جنوبي مدينة غزة حيث المنطقة المفتوحة التي تسمى وادي غزة، والتي تشكل خاصرة للقطاع، وتبعد حدودها عن الساحل ما لا يزيد عن 6 كيلومترات ونصف.

فبعد أن تقدم الإثنين نحو شارع صلاح الدين عبر عدد قليل من الدبابات، واستطلع المنطقة ثم استهدف المدنيين وتراجع تحت وطأة تصدي المقاومين إلى التحصينات والسواتر التي أقامتها الجرافات في المنطقة المفتوحة، هاجم اليوم بتعزيزات كبيرة عبر نفس الاتجاه، حيث يحاول شقّ القطاع إلى نصفين شمالي وجنوبي، وفصل مدينة غزة ومحيطها عن بقيته.

ويعدّ المحور الجنوبي في المنطقة الوسطى، الممتد من جحر الديك حتى الشاطئ، المحور الأبرز الذي شهد أشرس المعارك ليلة الثلاثاء، إذ تجاوزت الدبابات أمس الثلاثاء شارع صلاح الدين ووصلت إلى محيط مستشفى الصداقة التركي، بعيدةً كيلومترين عن شارع الرشيد الساحلي.

وعلى الرغم من التقدم في مناطق مفتوحة، ما يظهر سرعة في التوغل يريدها الإسرائيلي لاستعادة معنويات جيشه التي تضعضعت بعد 7 أكتوبر، فإنّ الاحتلال وضع قواته في خطر الوقوع في كمائن المقاومة ومصيدة الهاونات ومضادات الدروع، مستنداً إلى ما أعلنه عن استعداد تام لتقبل وقوع “خسائر قاسية وتكلفة كبيرة” في العملية الجارية.

المقاومة تتصدى بهدوء وضمن خطة محكمة.. والاحتلال يعترف بخسائر

وفي مقابل التوغل البري الإسرائيلي المتفاوت القوة والسرعة بين محور وآخر، تتصدى المقاومة بشكل متوازن ومدروس للقوات المدرعة الإسرائيلية المتقدمة، والتي ترددت أخبار في أوساط متابعة للشؤون العسكرية أنّ الوحدة الأميركية الخاصة “دلتا” تشارك معها في عمليات قتالية خاصة.

وتحدثت أوساط في الإعلام الغربي عن سياسة التكتم التي يعتمدها الاحتلال الإسرائيلي، واصفين إياها بالمفضوحة. ونقل صحافيون إسرائيليون عن مصادر وقوع أكثر من 20 قتيلاً إسرائيلياً حتى ساعات مساء الثلاثاء في الهجوم، بينما قدّر خبراء أنّ العدد يفترض أن يكون أكثر بكثير في ظلّ المعلومات عن عشرات القذائف الصاروخية التي أطلقها المقاومون على مدرعات ودبابات الاحتلال.

وقد أكّد الناطق باسم كتائب القسام، أبو عبيدة، في خطاب مصور الليلة الفائتة، أنّ المقاومين دمّروا أكثر من 22 آلية ودبابة إسرائيلية خلال اشتباكات نهار الثلاثاء. وبرز في كلمة أبي عبيدة الهدوء الذي يؤكد مطلعون أنه يوصّف وضع المقاومة وردّ فعلها حتى الآن، مؤكدين أنه بعيد عن الانفعال ويبدو أنه يلتزم بشكل كبير بطبيعة المعركة وتدرّج مراحلها ومدتها المتوقعة.

 

كما أشارت حسابات متابعة أنّ الصور التي نشرها الاحتلال اليوم لتوغله بين البيوت في غزة، هي في شرقي بيت حانون في الصفّ الأمامي من الكتلة العمرانية، التي تدمرت بشكل فادح بفعل القصف المكثف والمتكرر على مدى 20 يوماً، والمكشوفة على مدفعية الاحتلال وأجهزة الرصد الثابتة والمتحركة.

وفجر الأربعاء، أقرّ جيش الاحتلال الإسرائيلي بمقتل 9 من جنوده سقطوا في معارك شمالي قطاع غزة، بالإضافة إلى إصابة 4 آخرين بشكل خطير، ليرتفع عدد الجنود الذين خسرهم حتى الآن بشكل رسمي إلى 11 من لواء غفعاتي فقط، ما يشير إلى فداحة خسائره.

 

وقد قتل الجنود الـ9 بعد أن تعرضت آليتهم لصاروخ مضاد للدروع، ليبلغ بذلك عدد القتلى من الجنود الإسرائيليين الذين أقرّ بهم الاحتلال منذ 7 أكتوبر 326 جندياً.

وقد كشف الإعلام الإسرائيلي أنّ الجنود التسعة قُتلوا بعد إطلاق صاروخٍ مضاد للدروع على آلية “نامِر” المدرعة التي كانوا فيها، وهي إحدى المدرّعات الأشدّ تحصيناً في جيش الاحتلال والتي عمل على صناعتها خلال السنوات العشر الماضية لتكون حصناً لجنوده في التقدمات البرية.

 

وتأتي تحركات المقاومة وردودها المدروسة والمقننة على التوغل البري، ضمن سياسة الاستدراج من الحافة الساقطة عسكرياً بالنيران والاستطلاع، إلى المناطق الداخلية التي تملك فيها المقاومة استحكامات متقدمة، ويمكنها تنفيذ مناورات واسعة ضد قوات الاحتلال، كما يخولها ذلك الاستفادة من الأنفاق الموجودة في عمليات تسلل خلف خطوط العدو الأمامية حين يتقدم أكثر.

ويمكن القول إنّ المعركة تتجه أكثر فأكثر لتصبح معركة استنزاف وكسر إرادات، حيث يبدو أنّ المقاومة ستقوم بالرهان أكثر على إيقاع خسائر مؤلمة في القوات المتوغلة الإسرائيلية، بدل الدفاع الجغرافي من داخل المناطق المحاصرة عنها لمحاولة صد التقدم، والذي يعني خسائر كبيرة في صفوف المقاومين في حال حصل، وهو على كل حال ليس من تكتيكات حرب العصابات التي تميّز عمل المقاومة الدفاعي في وجه الجيوش الكلاسيكية وعملياتها البرية.

ماذا لو وصل الاحتلال إلى الخط الساحلي جنوبي غزة؟

يسعى الاحتلال إلى إعلان سيطرة قواته على منطقة عازلة وسط قطاع غزة، لم يتمكن من إتمامها إلى حين كتابة هذا التقرير. ولكن الواقع أنّ هذا السعي لعزل مناطق القطاع الشمالية عن الجنوبية يقابله تحديات عدة قد تقلبه كارثة على الإسرائيلي.

فمن دون إنهاء قدرة القوات القتالية للمقاومة في شمالي القطاع، وهو بحسب خبراء إسرائيليين بعيد المنال مع وجود شبكة أنفاق سرية وعلى عمق عشرات الأمتار تحت الأرض،قد تقع القوات الإسرائيلية المتقدمة بسهولة بين فكي كماشة، وتضع نفسها في موضع ستتعرض فيه بشكل دائم لتهديد الصواريخ القريبة المدى وقذائف الهاون والصواريخ الموجهة، بالإضافة إلى خطر عمليات التسلل والالتحامات المباشرة، والتي أثبتت المقاومة أنها ما تزال تحافظ على قدرة واسعة فيها، من خلال عمليات تسلل بحرية وبرية كان آخرها عملية موقع إيرز شمالي القطاع، على الرغم من كونه يقع وسط محور تقدم إسرائيلي رئيسي.

كما يشكل تصدي المقاومة بشكل فعال لمحاولات تقدم إسرائيلية في شرقي خان يونس جنوباً، يرجّح العديد من الخبراء أنّها لمحاولة إشغال قوات المقاومة وخوفاً من إمدادات قد تصل من الجنوب إلى الشمال، دليلاً على أنّ القوات الفلسطينية موزّعة بشكل فعال بين الجبهات، وبحسب مختلف الفصائل المقاومة، والتي تقودها بشكل أساسي قوات كتائب القسام وسرايا القدس.

وبطبيعة الحال، فإنّ المزيد من التفاصيل ستتكشف تباعاً عن طبيعة المعركة والوضع الميداني للمقاومة وقوات الاحتلال الإسرائيلي، لا سيما مع الحديث المتزايد في إعلام الاحتلال وبين مسؤوليه عن نتائج قاسية للأيام الأولى للمعركة، ولكن ما يؤكده الخبراء هو أنّ المعركة البرية لا تزال في أولها بالنسبة للمقاومة، وأنّ الأيام المقبلة ستحمل المزيد من الفرص لإثبات المقاومة أنّ غزة قادرة على أن تدفن الغزاة عميقاً في رمال أنفاقها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى