في 11 نوفمبر 1982، هز انفجار ضخم مقر الحاكم العسكري الإسرائيلي في مدينة صور اللبنانية، موقعاً خسائر فادحة في صفوف جيش الاحتلال. حينها وصفت إسرائيل الحدث بـ”كارثة صور الأولى”، ونفت أن يكون ناتجاً عن هجوم، مدعيةً أن الانفجار سببه حادث داخلي. إلا أن الحقيقة بدأت تتكشف تدريجياً، واليوم، وبعد مرور 42 عاماً، تم الكشف عن التفاصيل الكاملة لهذه العملية الاستشهادية
تفاصيل العملية وتكتم حزب الله
في ذلك اليوم، كان الاستشهادي أحمد قصير، الشاب اللبناني من بلدة قانون النهر، يستعد لتنفيذ عملية تاريخية ضد الاحتلال. بقيت تفاصيل العملية طي الكتمان لسنوات، حيث لم يعلن حزب الله عن منفذ الهجوم حتى العام 1985، عندما كشف في بيانه التأسيسي الأول، المعروف بـ”الرسالة المفتوحة”، أن أحمد قصير هو البطل الذي فجر مقر الحاكم العسكري الإسرائيلي في صور.
لم تقتصر السرية على هوية المنفذ فحسب، بل شملت أيضاً أسماء المخططين وأعضاء الخلية التي ساعدت في تنفيذ العملية. وعلى مدى عقود، كانت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والأمريكية تحاول معرفة تفاصيل المجموعة التي خططت لهذه الضربة القاسية.
فؤاد شكر ورفاقه: أسماء من خلف الستار
مؤخراً، وبعد عملية اغتيال القائد العسكري في حزب الله، فؤاد شكر، في غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت، كشف حزب الله عن دوره البارز في التخطيط للعملية. شكر، الذي كان من القيادات الميدانية البارزة في الحزب، شارك في الإعداد للعملية الاستشهادية التي دمرت مقر الحاكم العسكري.
أشار الإعلام الحربي في حزب الله إلى أن شكر لم يكن وحيداً، بل كان يعمل ضمن مجموعة من القادة الميدانيين الذين لعبوا دوراً محورياً في مرحلة الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان. إلى جانب شكر، تم الكشف عن أسماء قيادات أخرى كانت جزءاً من “خلية صور”، ومن بينهم الشهيد عبد المنعم قصير، الذي شارك في بناء البنية التحتية للعمل العسكري للحزب.
تأثير العملية على دولة الاحتلال
أحدثت عملية تفجير مقر الحاكم العسكري صدمة كبيرة في الأوساط الإسرائيلية. فالخسائر البشرية والمادية كانت هائلة، وشكلت العملية نقطة تحول في مسار المواجهة بين الاحتلال والمقاومة اللبنانية. في مشهد لم يُنسى، ظهر وزير الجيش الإسرائيلي حينها، أرئيل شارون، وهو يتفقد الركام بعلامات الحزن والقلق على وجهه، حيث كانت هذه العملية الأولى من نوعها التي تهز عرش القوة العسكرية الإسرائيلية في لبنان.
اغتيالات مستمرة وانتقام مؤجل
وعلى مدار السنوات اللاحقة، استمرت إسرائيل في ملاحقة قادة حزب الله الذين شاركوا في العملية، لكنهم ظلوا بعيدين عن متناول يد الاحتلال لفترات طويلة. وفي فبراير 2010، تمكنت الاستخبارات الإسرائيلية والأمريكية من اغتيال القائد العسكري عماد مغنية، الذي كان أحد المشاركين في التخطيط للعملية. واستمرت سلسلة الاغتيالات لتشمل قيادات أخرى مثل علي كركي، قائد منطقة الجنوب في حزب الله، الذي استشهد خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على الضاحية الجنوبية.
ختام التقرير: تاريخ من السرية والصمود
لقد أثبتت عملية تفجير مقر الحاكم العسكري في صور أنها ليست مجرد حدث عابر في تاريخ الصراع، بل كانت بداية لمرحلة جديدة من المواجهة بين المقاومة اللبنانية ودولة الاحتلال. وبعد مرور أكثر من أربعة عقود على تلك العملية، تبقى “خلية صور” رمزاً للصمود والسرية التي استطاعت أن تهز كيان الاحتلال الإسرائيلي وتترك بصمة لا تُنسى في تاريخ المقاومة.