مقالات

زينب الغنيمي – غزة / انا والليل وهذه الحرب في غزة

انتهت ليلة أخرى من ليالي الحرب المدمرة، لكن لازالت الشمس لم تصحَ جيداً مما يدفع بالشعور بأن الليل الثقيل لا ينتهي. لم أعد أحب الليل رغم أني كنت في السابق انتظر قدومه بحب حيث الهدوء للنفس والسمر مع من نحب، أما الآن فظلام الليل دامس لا يوجد به خيط من الضوء سوى قنابل الإنارة التي تلقيها الطائرات الإسرائيلية، لتحدد الهدف الذي ستصب عليه حمم القنابل والصواريخ الإرتجاجية.

لم أعد أحب الليل لأنه يملؤني بالخوف، ويذكرني بحكايا أمي عن الغول المرعب الذي يمشي بين الأزقة، ليلتهم كل ما هو حي ويتحرك ولا يشبع، فقد ابتلع غول هذه الحرب حتى الآن أكثر من 12 ألف شهيداً، 70% منهم من الأطفال والنساء، والباقي من الشيوخ والرجال، حتى أن الخوف لا يسمح للجميع بالحركة في مكان الاختباء الضيق سواء المنزل أو مقر الإيواء الجديد، الذي ارتحلوا إليه رغماً عنهم، حتى أن الشخص منا يحبس رغبته في التبول كي لا يتحرك والأطفال والمسنين، في هذه الليالي القاسية عاد التنين المنقرض الذي ترونه في أفلام الرعب، وبتنا نسمع هدير صوته المفزع، ونرى النار التي ينفثها من رؤوسه المتعددة يميناً ويساراً، وهو يجرف العمارات والمباني ويسويها بالأرض.

ننتظر إشراقة الشمس بلهفة ونشعر بالفرح المؤقت لأننا لا زلنا على قيد الحياة ليوم جديد، نسرع في كتابة رسائل الإطمئنان لأحبتنا وأقاربنا وأصدقائنا، وربما ننسى أحدا منهم ولكن نكون سعداء عندما يذكرنا أحدهم برسالة أو باتصال ليطمئن على أننا لازلنا أحياء، ولكننا لسنا بخير، نعم لسنا بخير لأننا حتى بعد شروق الشمس لم نتجاوز ظلام الليل السابق ورعبه، حيث تستمر الطائرات والبوارج من البحر والمدفعية من الشرق بإلقاء حممها، فتنال ممن خدعهم بزوغ النهار وذهبوا للاستجابة لإلحاح الأطفال الذين لا يفهمون لماذا لا يستجيب لهم آباءهم وأمهاتهم لتلبية احتياجاتهم الصغيرة، رغم أنهم توقفوا مع الوقت من المطالبة ببعض من قطع الشكولاتة أو الشيبس، ولكن على الأقل ذهبوا للمخبز يريدون شراء بعض من الخبز، أو ذهبوا لبقالة الحي، لربما يحصلون على بواقي من المعلبات أو الأرز أو الحبوب الجافة، ليطعموا أولادهم الجوعى، ولكنهم أصبحوا أشلاء ممزقة لأن قائد الطائرة تخلص من حمولته وهي أطنان من المتفجرات فوق رؤوسهم بادعاء أنه رأى رغيف الخبز عن بعد، صاروخاً متجهاً نحو طائرته أو لموقع داخل فلسطين المحتلة، ويا لهول ما نسمع من كذب وتبريرات جنونية لقادة الحرب الرؤساء ووزراء الدفاع وغيرهم من الإسرائيليين والأمريكيين والغربيين الملطخة أياديهم بدماء الشعب الأعزل، بأن القتل الجماعي للشعب الفلسطيني في غزة هو دفاعاً عن دولة اسرائيل، وأن حرمان الشعب من ماء الشرب والغذاء والطعام، هو دفاع عن دولة اسرائيل من صواريخ المقاومة.

إن سواد هذه الليالي يعكس السواد في عقول وقلوب قادة الحرب المجرمين، الذين يجب أن تحيلهم العدالة الدولية إلى المسألة القانونية كمجرمي حرب، لأنهم فقط اغتالوا شعبنا واغتالوا أحلام ليالينا وصباحاتنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى